اسمع يا فقير:كلما افتقرت إلى شيء كبير أو صغير، فأعرضت عنه في التوجه إلى ربي، وجدته أمامي، بفضل قدرة من يسمع ويعلم. نرى أن احتياجات الناس العاديين تُسد بالاهتمام بهم، بينما احتياجات المختارين تُسد بمجرد ابتعادهم عنها وتركيزهم على الله.
"من ذكرني وانشغل عن طلبه نال أفضل من الذين سألوني"
كان من نسل النبي . كان نوره يستمد قوته من المقام السماوي، فسكب في قلوب زمانه الحائرة السلام والسعادة، حتى صار مظهر كل نعمة ووسيلة إلى الله عز وجل لكل إنسان في زمانه، وبه جدد الله الشريعة الإلهية، شاريجأ والحقيقة الروحية، الحقيقةكالقمر في ليلة مظلمة، كم من سنة مضت أحياها، وكم من بدعة أحدثها أزالها؟
ولد سنة 1075هـ/1664م، ونشأ في بيت مبارك، ارتوى من نبع الطريقة النقشبندية منذ نعومة أظافره، وباركه شيوخه، وكانوا يفتخرون به، واستمر في تقدمه حتى أصبح في بلاد الهند سراجاً منيراً، يفد إليه الزوار من كل مكان، ينالون منه بركات أسراره وبركات أجداده، وجلس على عرش الطريقة يتبع سيده، وكان كالمنارة التي تهتدي بنورها كل من يبحث عن الطريق، وترك خلفه اسماً مشهوراً، وكيف لا وقد رحل النبي محمد صلى الله عليه وسلم. من هو جده؟ كان فرعاً من شجرة المعرفة النبوية ومن نسل آل البيت الطاهرين فلا عجب أنه أصبح القبلة من قديسيه، فأصبحت عتبته غاية كل شعب الله.
كان متدينًا لدرجة أنه قضى معظم وقته في قراءة ودراسة أدب (أخلاق وشخصية) النبي وشخصية القديسين وحسن سلوكهم، وتمسكه الصارم بصيغة النبي ومقاصده. في كل تصرفاته يتضح ذلك من خلال الحادثة التالية: ذات يوم دخل الحمام برجله اليمنى، وهو ما يخالف شرع النبي صلى الله عليه وسلم. فأصابه الإمساك ثلاثة أيام، لأنه حاد عن السنة في تلك الخطوة الواحدة، فاستغفر الله، ففرج الله عنه كربته.
بدأ حياته في حالة من التجرد، وظل على هذه الحالة خمسة عشر عاماً، وخلال هذه الفترة كان في حالة تجرد دائم، ولم يكن يخرج من هذه الحالة إلا أثناء الصلاة، فإذا صلى عاد إلى الوعي وأدى الصلاة، ثم عاد إلى هذه الحالة، وكان حريصاً على ألا يأكل إلا من عرق جبينه، وكان لا يأكل إلا خبزاً يخبزه بنفسه، ولا يأكل منه إلا قطعاً صغيرة جداً، وكان يقضي كل وقته في التأمل والتفكر، فإذا فرغ من الخبز عاد لإعداد المزيد، ثم عاد إلى التأمل والتفكر، ومن كثرة تأمله انحني ظهره، وكان في خدمة شيخه سنوات طويلة، كما خدم الشيخ محمد محسن ابن الراوي الكبير للحديث في عصره الشيخ محمد بن عبد الوهاب. جعبد الحق أحد خلفاء محمد بن الحسنج(ق) حتى بلغ بخدمته درجة عالية من الكمال.
كان يقول: "لم يخطر ببالي طيلة الثلاثين عامًا الماضية أن أفكر في كيفية كسب لقمة العيش. ولم يخطر ببالي قط أن أتناول الطعام عندما أشعر بالحاجة". لم يأكل قط من طعام شخص متكبر. وكان يقول: "إن طعام الأغنياء المتكبرين يحتوي على ظلام".
وكان إذا استعار كتاباً قرأه في ثلاثة أيام، لأنه قال: «إن انعكاس ظلمة وجهل صاحب الكتاب سينعكس عليّ». وكان شديد الحذر في مثل هذه الأمور، وكان خليفته سيدنا حبيب الله (رضي الله عنه) يبكي عندما يتذكره، ويقول لأتباعه: «أنتم لم تروا هذا الشخص المقدس، ولو كنتم في زمنه لتجدد إيمانكم بقدرة الله على خلق مثل هذا الشخص».
وكان سيدنا حبيب الله يقول أيضاً: "كانت رؤى الشيخ نور محمد البدواني دقيقة للغاية ومفصلة بشكل لا يصدق، وكان يرى بقلبه أفضل مما يراه أي شخص بعينه، وقال لي مرة وأنا بين يديه: يا بني أرى فيك آثار الزنا، ماذا فعلت اليوم؟ فقلت: يا شيخي عندما أتيت إليك رأت عيني امرأة في الشارع، فقال: في المرة القادمة احرص على حماية عينيك".
قال الشيخ حبيب الله: "في إحدى المرات كنت في طريقي إلى الشيخ، فرأيت مدمنًا على الخمر في الشارع، وعندما وصلت إلى الشيخ قال لي: "إنني أرى فيك آثار الخمر"، فأدركت من هذا أن كل شيء في هذه الحياة ينعكس من شخص إلى آخر، وأن شخصية الشخص تنعكس على شخص آخر، ولهذا يجب علينا أن نحافظ على نظافتنا في جميع الأوقات، وأن نحافظ دائمًا على صحبة أهل الله.
قال الشيخ حبيب الله: جاءت إليه امرأة ذات يوم وقالت: يا شيخي، هناك كائن روحاني (الجن) "اختطفت ابنتي وحاولت بكل الوسائل استرجاعها ولكن دون جدوى." ففكر في الأمر لمدة ساعة تقريبًا ثم قال: "ستأتي ابنتك غدًا في وقت صلاة العصر، لذا اذهبي واستريحي." قالت السيدة: "كنت متلهفة جدًا لمجيء ذلك الوقت وظهور ابنتي، لدرجة أنني لم أستطع الراحة. في الوقت المحدد الذي ذكره الشيخ، سمعت طرقًا على الباب، ودخلت ابنتي. سألتها عما حدث. قالت: "لقد اختطفني رجل وأخذني إلى الصحراء". جن"كنت هناك في الصحراء وقبل قليل جاء شيخ وأخذني من يدي وأتى بي إلى هنا."
توفي الشيخ نور محمد البدواني سنة 1135هـ/1722-1723م، وقد سلم سر السلسلة الذهبية إلى خليفته، الشيخ شمس الدين حبيب الله جان جنان المظهر.