من يحب أن يأكل لحم أخيه ميتا؟
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا! وَاجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا تكرهون ذلك (فاكرهوا الآخر)! وَاتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ. لو إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”.”
(سورة الحجرات: 12)
قال الله تعالى في هذه الآية لبني آدم لكي يكرهوا تلك الخصلة ويشمئزوا منها: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يَغْتَابُونَ النَّاسَ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ لَحْمَ أَخِيهِ) .
يجب أن نحدد الغيبة بوضوح حتى نستطيع أن نميزها ونسعى لتجنبها: إن كنت مبتلى بخصلة تكرهها في نفسك وتحاول إخفاءها، ثم يأتي شخص ويكشفها ويعلنها على الملأ بقصد الحط من قدرك والحط من شأنك في أعين الناس فهو غيبة. أنت تحاول إخفاء عيوبك، فيأتي شخص ما وينشرها في الأرجاء حتى تنفر قلوب الناس منك.
ومن جهة أخرى هناك بعض الناس الذين يرتكبون كل سوء ويفتخرون بفعلهم ولا يبالون برأي الناس فيهم، ولا يستترون ولا يستشعرون أي خجل من معاصيهم، فإذا كنت تنصح أحدهم حتى لا يقع ضحية لمثل هذا الشيطان، فهذا بالتأكيد ليس غيبة بل على العكس من ذلك تماماً فهو واجب. يجب أن تفرق بين الاثنين: أحدهما - إن صح التعبير - ينساق إلى الشر لأن نفسه تجره إلى الشر، وهو أضعف من أن يقاوم، ولكنه يشعر بالخجل، والآخر شيطان لا ضمير له، وعليك أن تصف صفاته بالضبط وتحذره. وقد وصف الله تعالى نفسه في القرآن الكريم أبا لهب والنمرود وأبا جهل وفرعون وهامان بهذا الوصف، فقال تعالى.
وهناك مسألة أخرى حساسة للغاية وهي تقديم النصيحة (النصيحة). لا يجب أن نخبر الناس بأخطائهم مباشرة، بل يجب أن نكون لبقين وغير مباشرين في أسلوبنا. ونضرب في اللغة التركية مثال الحماة التي أرادت أن تصحح صفة مرفوضة في زوجة ابنها، ولكن لكي تتجنب الإساءة إليها وبّخت ابنتها في حضور زوجة ابنها على هذا الخطأ نفسه الذي
أرادت أن تصحح فيها. بهذه الطريقة فهمت زوجة الابن دون أن تشعر بالإهانة. من المهم جدًا استخدام هذا النوع من الأساليب، خاصة في عصرنا الذي أصبحت فيه مشاعر الناس أكثر هشاشة من أكواب الشاي الصينية - يجب أن تكون حذرًا للغاية.
بشكل عام، يجب على المرء ألا يخبر أحداً بأي شيء بشكل مباشر. عندما ترى صفة غير جيدة في شخص ما قد تقول له: “يا أخي، أحيانًا يكون لديّ مشكلة كذا وكذا في ذاتي، فماذا أفعل حيال ذلك؟ ربما يقول: ”أوه، أنا أيضًا لدي هذه المشكلة“. هذا هو الإرشاد الحقيقي,
عن الغيبة قصة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم
الله عز وجل يعلمنا الكثير من الدروس حتى نصبح مناسبين لحضرته الإلهية. والآن سنتحدث عن معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم. كل نبي أتى بمعجزات، بل لا بد أن يأتي بمعجزات، حتى يفهم الناس أنه شخص خارق للعادة ذو شخصية متميزة عن شخصيتنا.
قال نبينا صلى الله عليه وسلم “من رآني (وما جئت به من المعجزات) فآمن بي فذلك منحة من الله تعالى لعبده، وما عجبت من إيمان من رآني؛ إنما عجبت من إيمان من يأتي بعدنا من الأمم من بعد جيلنا بمجرد قراءته عني في كتب التاريخ.
(طُوبَى لِمَنْ لَقِيَنِي فَآمَنَ بِي، وَسَبْعَةُ أَضْعَافِهَا لِمَنْ لَمْ يَلْقَنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي) ”.”
كان النبي الكريم ذات يوم جالسًا مع أصحابه عندما دخل عليه رجلان يحملان بطونهما من الألم، وهما يقولان: “يا رسول الله، إننا نعاني من ألم شديد في بطوننا - أرجو أن تعالجنا بدوائك”. فأجابه النبي: “لا بد أنكما أكلتما شيئًا سبب لكما هذا، لا بد أنكما أكلتما لحمًا نيئًا”. “يا نبي، نحن لم نأكل أي لحم منذ خمسة عشر يومًا، لا بد أننا لم نأكل لحمًا نيئًا”. “لا، لا بد أن تكونوا قد أكلتم لحمًا نيئًا أقول لكم”. ومرة أخرى أنكروا ذلك، فأمرهم أن يحثهم على التقيؤ، فتقيأ كل واحد منهم قطعًا كبيرة من اللحم النيء الأخضر الفاسد. اندهش الرجلان من هذا الأمر لأمرين: أولهما: لأنهما لم يأكلا شيئًا من هذا القبيل قط، ولم يكن لهما أن يتقيآه، ومع ذلك فقد تقيآه من بطونهما؛ وثانيهما: لأن الألم الذي كانا يعانيانه قد زال في الحال. فَقَالُوا: “يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نُقْسِمُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكَلْنَا هَذَا قَطُّ” . فأجابهم النبي “يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَمْ تَمُرُّوا بِبَيْتِ فُلَانٍ فَتَغْتَابُوهُ؟ أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: ”مَنْ أَكَلَ مِنْ عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ أَكَلَ مِنْ عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ؟ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ".”
عندما تغتاب فإنك تدمر إيمانك وإيمان ضحيتك أيضًا، لأنك عندما تتكلم عن شخص آخر بالسوء، فإن تيارًا سيئًا يصل إلى ذلك الشخص، فيرتدي - تلك الإساءة كما لو كانت عبئًا ثقيلًا حول عنقه. أنت تهدم إيمانك وإيمانه، وتجلب عليه الظلمة والجنون. ولهذا السبب حُرِّم في الإسلام تحريمًا شديدًا أن يغتاب أحدنا الآخر. ومن ناحية أخرى إذا كنت تتكلم في شخص ما بالخير فإن تياراً طيباً يصل إليه ويُلقي في نفسه نوراً، ولذلك أمر بالدعاء للناس في غيبتهم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن إذا دعا لأخيه الغائب بدعاءٍ خرج ذلك الدعاء الصالح من قلبه فيخف عليه ويزداد بهجةً وسروراً، كما أن الله عز وجل يرسل ملكاً إلى ذلك الداعي بالبشرى): ’بقدر ما تسأل لذلك الأخ من النور والقوة والسعادة، بقدر ما يعطيك الله تعالى من النور والقوة والسعادة’. فبهذه الطريقة يستفيد الطرفان، وبالمثل في حالة الغيبة يتضرر الطرفان معًا، حيث تنزل الظلمة على قلبك كما تنزل على قلبه. ولولا الغيبة لكانت العلاقات أقوى، وبقدر ما نرتبط ببعضنا البعض بقدر ما يرضى الله عز وجل عنا ويمدنا بحفظه الإلهي.
قال شيخنا الشيخ: إن الإنسان يغتاب يعني أنه يثقل على نفسه بحمل ثقيل بحيث يصعب عليه أن يحمل نفسه على أداء العبادات. وقد ذكر الله عز وجل أنه ما خلق الإنسان إلا لعبادته، وإذا كنت تغتاب فإنك تقطعه عن العبادة، وبالتالي تقتله، وفي هذا الزمان أكثر الناس لا يستطيعون أداء العبادات المطلوبة منهم، فهم ثقيلون جداً ومتقاعسون في هذا الجانب، ولكنهم سريعون جداً وخفيفون في خدمة الشيطان واتباع طريقته. والفتور من أكبر الأسباب الكامنة وراء تأخر الناس في أداء العبادات التي طلبها منهم.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو قاضي القضاة، وإنه لا يستطيع أحد أن يحكم على أحد كما يحكم الله). إذا كان المرء يغتاب، فهو يجعل من نفسه قاضيًا لا سلطان له من قاضي القضاة: “فلان غير صالح”. واعلم أنك لست قاضياً على عباد ربك، فهو الذي خلقهم وهو الذي يحكم فيهم بما يشاء! ومن جهل هذه النقطة فقد جعل نفسه شريكاً لله تعالى، وهذا من أعظم الذنوب، فإن الله تعالى لا يرضى أبداً أن ينسب إليه الشركاء.
من الذي يبحث عن شريك؟ الذي لا حول له ولا قوة يبحث عن شريك، أما الله عز وجل فله قوة لا نهاية لها ومشيئة نافذة، فما حاجته إلى أن يبحث عن شريك؟ لا شريك له ولا ولد. قد يكون الإنسان محتاجاً إلى ولد يخلفه، ولكن الله سبحانه وتعالى ليس محتاجاً إلى خليفة. فهو موجود أزلي لا يعرف حدود الزمن. لذلك يجب أن يكون الجميع على حذر شديد. أعتقد أن هذا يكفي ليبين لنا مدى فظاعة الغيبة.