ما دمت لم تتأمل الخالق،
أنت تنتمي إلى المخلوقات؛
ولكن عندما تتأمله،
المخلوقات ملك لك.
ابن عطاء الله حكم
الشيخ قاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق من نسل أبي بكر الصديق من جهة أبيه ومن نسل علي بن أبي طالب من جهة أمه، وُلد يوم الخميس في شهر رمضان المبارك.
"يروى عنه أنه قال: كان جدي أبو بكر الصديق خاليا بالنبي صلى الله عليه وسلم في غار ثور في الهجرة من مكة إلى المدينة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ""لقد كنت معي طوال حياتك، وتحملت كل أنواع المشقة، والآن أريد أن أدعو الله أن يرحمك""." ثم قال: يا نبي الله أنت سر نفسي وسر قلبي، وأنت أعلم بما أحتاج إليه.
النبي رفع يديه وقال: يا رب، ما دام شريعتي قائمة إلى يوم القيامة، فليجعل الله من ذريتك من يحملها، ومن يرث أسرارها، وليجعل من ذريتك من هو على الصراط المستقيم، ومن يهدي إليه.
وكان أول من أجاب ذلك الدعاء وأول من نال تلك النعمة هو سيدنا القاسم وكان معروفاً في المدينة في عصره بأبي محمد، وكان الناس يأتون لسماع توجيهاته ومحاضراته (صهباء) وكشفه عن معاني القرآن الخفي. القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق كان من أشهر فقهاء المدينة السبعة، وأكثرهم علمًا، ومن خلال هؤلاء الأئمة السبعة العظام انتشرت الأحاديث والفقه المبكر والتفسير بين الناس.
والتقى ببعض خلفاء الصحابة، منهم سالم بن عبد الله بن عمر. .
وكان إماماً صالحاً، عالماً برواية الأحاديث، قال أبو الزناد: ما رأيت أحداً أحسن منه في اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم. . في عصرنا هذا لا يعد أحد كاملاً إلا إذا كان كاملاً في اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم "وكان قاسم من الرجال الكاملين"
وقال عبد الرحمن بن أبي زناد، عن أبيه، قال: ما رأيت أحداً أعلم بالسنة من القاسم.
وقال عنه أبو نعيم في كتابه حلية الأولياء: كان يستخرج أعمق الأحكام، وكان رفيع الأخلاق والآداب.
روى الإمام مالك عن عمر بن عبد العزيز قال ابن القيم، وهو خامس الخلفاء الراشدين: لو كان الأمر بيدي لاتخذت القاسم خليفة في زماني.
قال سفيان: جاء قوم إلى القاسم بصدقة قسمها، فلما قسمها ذهب يصلي، فبينما هو يصلي أخذ الناس يتكلمون فيه، فقال لهم ابنه: إنكم تتكلمون وراء رجل قسم صدقتكم ولم يأخذ منها درهماً لنفسه، فسارع أبوه إلى توبيخه قائلاً: لا تتكلم واسكت، أراد أن يعلم ابنه ألا يدافع عنه، فإن همه الوحيد هو مرضاة الله، ولا يبالي برأي الناس.
وقال يحيى بن سيد: لم نجد في زماننا بالمدينة أحدا أفضل من القاسم. أيوب السقيتياني قال: ما رأيت أحداً أفضل من الإمام القاسم، ترك للفقراء عند وفاته مائة ألف دينار، كلها من حلال.
واحدة من معجزاته
وقد روى الشيخ شرف الدين وخليفته الشيخ عبد الله الداغستاني (الشيخان الثامن والثلاثون والتاسع والثلاثون في السلسلة الذهبية النقشبندية على التوالي) القصة التالية:
السنة التي توفي فيها أبو محمد القاسم كان على وشك مغادرة هذه الدنيا، فذهب في الثالث من رمضان إلى الحج، وحين وصل إلى القيظ حيث يتوقف الحجاج عادة، فتح الله عليه بصره فرأى الملائكة ينزلون من السماء ويصعدون بأعداد لا تحصى، ينزلون ويزورون المكان ثم يصعدون مرة أخرى، وحين رأى هؤلاء الملائكة يحملون بركات الله التي ينزلها معهم، كان الأمر وكأن ذلك النور والقوة المركزة تصب في قلبه مباشرة فتملأه صدقاً ووعياً بالله.
فما إن حدثت هذه الرؤيا حتى نام، فرأى في المنام أبا بكر الصديق فأتاه، فقال: يا جدي، من هؤلاء المخلوقات السماوية الصاعدة والنازلة، الذين ملؤوا قلبي بالوعي بالله؟
أبو بكر الصديق فأجاب: إن هؤلاء الملائكة الذين تراهم يصعدون وينزلون قد خصصهم الله لقبرك، وهم يزورونه باستمرار، ويحصلون على البركات من المكان الذي سيدفن فيه جسدك في الأرض، ولإجلالك أمرهم الله بالنزول وطلب البركات لك، يا حفيدي، لا تغفل عن موتك، فهو آتٍ لا محالة، وسوف ترفع إلى الحضرة الإلهية وتغادر هذه الدنيا.
قاسم ففتح عينيه على الفور فرأى جده أمامه، فقال: «لقد رأيتك في المنام». فأجاب: نعم، أمرت بلقائك. فقال قاسم: هذا يعني أنني سأغادر الدنيا. "نعم ستغادر الدنيا وتصحبنا إلى الآخرة" قال سيدنا أبو بكر الصديق .
"ما هو العمل الذي تنصحني أن أفعله في اللحظات الأخيرة من وجودي على الأرض؟" سأل قاسم جده أبو بكر الصديق أجاب: يا بني، ارطب لسانك باللَّه. ذكر الله واحتفظ بقلبك جاهزًا وحاضرًا مع ذكر الله"هذا هو أفضل ما يمكنك تحقيقه في هذا العالم."
ثم أبو بكر اختفى وقاسم بدأت ذِكْر "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بالمعروف على لسانه وقلبه، ثم واصل إلى مكة فشهد الوقوف بعرفة (الذي يقع كل عام في التاسع من ذي الحجة)، وفي تلك السنة حضر عرفات كثير من الأولياء من الرجال والنساء، واجتمع بهم القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم."
وبينما هم واقفون سمعوا سهل عرفات وجبلها يبكيان حزناً، فسألوا جبل عرفات: لماذا تبكي هكذا؟ فأجاب جبل عرفات: أنا وكل الملائكة نبكي، لأن هذه الأرض ستفقد اليوم أحد أعمدتها.
قالوا: من هو ذلك العمود الذي توشك الأرض أن تفقده؟ فأجاب جبل عرفات: أبو محمد القاسم سيرحل عن الدنيا ولن تشرف الدنيا بخطواته ولن أراه بعد الآن في سهلي الذي يفد إليه الحجاج وسوف أفتقده، ولهذا أبكي بهذه الطريقة، ليس من نفسي فقط، بل من جده محمد، وجده أبي بكر، وجده علي، والعالم كله يبكي، يقولون إن موت العالم موت الدنيا.
في تلك اللحظة قال النبي وأبو بكر الصديق وكانوا حاضرين روحيا على عرفات حيث كانوا يبكون. وقال: «بموت القاسم يظهر الفساد في الأرض، وكان من الأركان التي تمنع الفساد».
في السابق كان ذلك البكاء الحزين على جبل عرفات لا يحدث إلا عند النبي توفي عن الدنيا فلما توفي أبو بكر مضى، فلما سلمان ومضى، ومضى قاسم، والتقى أحد الأولياء، رابعة العدوية، بقاسم. في مجلس الأولياء الروحانيين، فقال: سمعت كل يابس وكل حي يبكي، لماذا يا رابعة حدث هذا؟ لم أر مثل هذا البكاء في حياتي، هل تعرفين سببه؟ فقالت: يا أبا محمد، أنا أيضا لم أستطع أن أعرف طبيعة ذلك البكاء، فاسألي جدك أبا بكر.
أبو بكر فظهر لهم روحيا وقال لهم: إن البكاء من كل مكان على هذه الأرض هو بسبب خروجكم من هذه الدنيا كما أخبرتكم في حجكم. رفع يديه ودعا الله قائلاً: "بما أنني أفارق هذه الحياة الآن، فاغفر لمن وقف معي على جبل عرفات". ثم سمعوا صوتًا يقول: "من أجلكم، غفر الله لمن وقف معك على جبل عرفات في هذه الحجة". في تلك اللحظة كشف الله على قلب قاسم عن معرفة غنوصية لا حدود لها.
ثم خرج من جبل عرفات وقال: يا جبل عرفات لا تنساني يوم القيامة، فقد وقف هنا جميع الأولياء والأنبياء، فأرجوك أن لا تنساني يوم القيامة، فرد عليه الجبل العظيم بصوت عال يسمعه الجميع: يا قاسم لا تنساني يوم القيامة، لا تنساني، دعني أكون من شفاعة النبي.
في تلك اللحظة قاسم فخرج من عرفات ووصل إلى مكة المكرمة عند الكعبة، فسمع بكاءً قادماً من بيت الله، وكان يزداد كلما اقترب، فسمعه الجميع، كان ذلك صوت الكعبة، يبكي على رحيل قاسم بن عبد العزيز. من هذا العالم، وكان يأتي كالطوفان، طوفان الدموع الذي ينهمر من الكعبة، فيغمر المنطقة كلها بالماء.
فقال بيت الله يا قاسم إني سأفتقدك ولن أراك في الدنيا مرة أخرى، ثم طاف الكعبة حول قاسم خمسمائة شوط. احتراماً له، فكلما زار ولي الكعبة رد على سلامه قائلاً: "والله إني أعوذ بك من شر ما خلقت".`عليك السلام يا ولي الله"وعليك السلام يا خليل الله."
ثم قاسم ودع الحجر الأسود، ثم توجه إلى جنة المعلا، المقبرة التي دفنت فيها السيدة خديجة الكبرى. ، أول زوجة للنبي ثم دفن، ثم انتقل إلى مكة كلها، ثم رحل إلى القديد، وهي مكان بين مكة والمدينة، في التاسع من محرم، حيث انتقل إلى الآخرة، وكان ذلك سنة 108 (أو 109) هـ/726 م، وكان عمره سبعين عاماً، وقد سلم سر السلسلة الذهبية النقشبندية إلى خليفته حفيده الإمام جعفر الصادق. .