ولا إذا غمرتني الفرحة فلا أستسلم لها؛
لأني لست من أولئك الذين يتعزون بفقد شيء واحد
"بآخر؛ لا أتمنى شيئًا أقل من الكل."
هو هو غوث (شفيع الأولياء) وبركة علماء الإسلام. هو فجر ونور المشرق والمغرب. هو صاحب مملكة الهدى. نشأ في بيت عمه الذي علمه أفضل الأخلاق، وعلمه العلوم الدينية والروحية، ورعاه من ينبوع الأخلاق والآداب، وأروى ظمأه بالحقائق السماوية والمعرفة الغيبية، حتى أصبح قلبه بيت وحي، كما قال الله في الحديث القدسي: (ما وسعتني سمائي ولا أرضي، ووسعني قلب عبدي المؤمن).
كان معروفاً في عصره بالدرويش والي، وقد استوعب كل أنواع الفهم الديني، واستطاع أن يمحو شرور وضلالات كثير من مشايخ عصره، وأحيا القلوب الذابلة، وأصلح القلوب المنكسرة، حتى أصبح بركة عصره وجوهر الهداية الإنسانية، وكان له أتباع كثيرون في أنحاء البلاد، وكان بيته ومسجده مليئين بالزائرين الذين يسألون عنه ويستغيثون به.
مرة واحدة بعد الارتباط الذي عقده للتو معه ومع الآخرين المريدين"قال له الشيخ محمد الزاهد أن يصعد إلى تلة معينة على مسافة ما وينتظره هناك. أخبره الشيخ أنه سيأتي لاحقًا. كان درويش محمد مطيعًا لشيخه لدرجة أنه سلم إرادته له تمامًا. كان سلوكه مثاليًا. ذهب وانتظر الشيخ حتى يأتي، دون أن يستخدم عقله ليسأل: "كيف أذهب إلى هناك، ماذا أفعل عندما أصل هناك، إلخ". تحرك على الفور. وصل وبدأ ينتظر. حان وقت صلاة العصر ولم يظهر الشيخ. ثم غربت الشمس. كان غروره يقول له: "شيخك لن يأتي؛ عليك أن تعود. ربما نسي الشيخ". لكن إيمانه الصادق قال له: "يا درويش محمد، صدق شيخك وصدق أنه قادم بالتأكيد، كما قال. عليك أن تنتظر".
كيف كان قلب درويش محمد ليصدق غروره عندما كان قلبه يرتفع ليكون مع شيخه؟ لقد تماسك وانتظر. جاء الليل وكان الجو شديد البرودة على التل. كان يتجمد من البرد. قضى الليل كله مستيقظًا وكان مصدر الدفء الوحيد له هو حضنه. ذِكْر ل "لا إله إلا الله". جاء الفجر ولم يظهر الشيخ بعد، كان جائعًا فبدأ يبحث عن شيء يأكله، وجد بعض أشجار الفاكهة فأكل وظل ينتظر الشيخ، ومضى اليوم، ثم اليوم التالي، كان مرة أخرى في صراع كبير مع غروره، لكنه ظل يفكر: "إذا كان شيخي شيخًا حقيقيًا، فهو يعرف ماذا يفعل".
لقد مضى أسبوع ثم شهر ولم يأت الشيخ، وكان الشيء الوحيد الذي يصرف انتباه درويش محمد عن الانتظار هو ذكر اللهوكانت صلواته اليومية هي نشاطه الوحيد الآخر. ولم يستمر في ذلك إلا حتى سقط سلطانه. ذِكْر جعل الحيوانات تأتي وتجلس حوله لتصنع ذِكْر معه، فأدرك أن هذه القوة العجيبة جاءته من شيخه.
جاء الشتاء ولم يأت الشيخ، وبدأ الثلج يتساقط، وكان الجو شديد البرودة ولم يكن هناك طعام، فبدأ يقطع لحاء الشجر ويتغذى على الرطوبة الموجودة بداخله، ومن الجذور وما يجده من أوراق خضراء، وجاءت إليه الغزلان فبدأ يحلب النعاج، وكانت هذه معجزة أخرى ظهرت له، فلم تتحرك النعجة عندما حلبها، وجاءت أخرى، فكان يرتفع إلى مستويات روحية أعلى وأعلى، وكان معلمه يرسل له المعرفة الروحية من خلال هذه المعجزات والرؤى. "قال: ""فماذا لو حدث لي شيء؟"" قال درويش محمد: ""يا شيخي، لو لم أقم هنا وانتظرتك وأطعتك لما أتيت إلي بإذن النبي"" "لقد استشعر درويش محمد في قلبه أن شيخه قادم بأمر النبي" .
فضحك الشيخ وقال له: تعال معي، وفي تلك اللحظة سكب عليه سر وقوة هذه السلسلة الذهبية من الطريقة النقشبندية التي كانت في قلبه، ثم أمره أن يكون شيخ الطريقة النقشبندية. المريدينوظل درويش محمد في خدمة شيخه إلى أن توفي الشيخ محمد الزاهد.
توفي درويش محمد في التاسع عشر من محرم سنة 970 هـ، ونقل سر الطريقة إلى ابنه، محمد خواجة المكاناكي ق.