اسألني المزيد!
إن كل شيء وكل شيء عاجز أمام الله تعالى، ولا يملك أحد أي قوة إلا إذا أعطاه إياها ربه. فإذا أعطى الرب تعالى القدرة للعباد فقد يصيرون أقوياء، ولكن حالهم الأصلية هي حالة العجز التام. وإذا أعلن العبد عجزه أمام ربه، فهذا شرف لذلك العبد، ونتيجة لتواضعه يمنحه ربه القوة والتأييد في كل موقف. والنبي صلى الله عليه وسلم هو أول من أعلن عجزه في الحضرة الإلهية؛ لذلك فإن الله تعالى وقد منحه إن الله يعطينا قوة أعظم من تلك التي أعطاها لأي إنسان آخر. وهذا درس عظيم للبشرية: إذا كنا نسعى إلى المزيد من الدعم الإلهي والقوة الروحية، فيتعين علينا أولاً أن نعترف بعجزنا.
الآن يشرح الشيخ الأكبر هذه النقطة بمزيد من التفصيل: إن الله تعالى يعطي من قوته لعباده المحبوبين حتى يتمكنوا من السباحة في محيطات المعرفة والحكمة. ما يأخذونه، يأخذونه إلى الأبد؛ يطلبونه بلا نهاية ويمنحهم إياه ربهم بلا نهاية. لن يقول العبد ولا الرب أبدًا "كفى"؛ بل سيقول الرب، "عبدي، اطلب ما تستطيع لأنني دائمًا أعطي المزيد والمزيد. اطلب عشرة وسأعطيك مائة، اطلب مائة وسأعطيك ألفًا، إلخ؛ إذا لم تطلب، فسأغضب منك".
إن من صفات الله تعالى أنه يريد أن يعطي عباده المزيد دائماً، فإذا عرفت هذه الصفة، فإنها ستمنحك الرضا، فلو قال الله تعالى: "كفى فلا تطلبوا المزيد" فهذا يعني أنه ليس لديه المزيد ليعطيه لعباده، ولو كان الأمر كذلك لتفجرت مسالك البشر، ولكن الله تعالى يقول: "يا عبادي، اطلبوا أكثر وأكثر، سأعطيكم أكثر مما تتخيلون"، فعلينا أن نشكر الله على هذا ونفرح بوجود مثل هذا الخالق، مثل هذا الرب.
يقول شيخنا الجليل: إنك وإن أخذت من بحر حكمة الله وعلمه أكثر فأكثر، فلا تظن أنك تستطيع أن تأخذ كل شيء، فإنك في الحقيقة لا تستطيع أن تأخذ إلا قطرة واحدة، لا أكثر. وربما تكون هذه القطرة ضخمة، ولكنها قطرة فقط، ومهما كانت كبيرة، فإنها لا تزال لها حدود، في حين أن بحره لا يعرف حدوداً. وفي هذا متعة حقيقية لنا: فكل ما يعطينا الله تعالى ينمو في حدود. ولو استطعنا أن نتجاوز حدود الله لأصبحنا شركاء لله، وهذا مستحيل.
لقد كان شيخنا الجليل يقول أن هناك نوعين من المعرفة، نوع يخص الله تعالى وحده، ونوع آخر يعطيه الله تعالى لعباده، ونحن نتحدث عن النوع الثاني فقط، لأن النوع الأول هو المعرفة التي تخص ذاته (دات)، من المستحيل أن يراه حتى الملائكة والأنبياء والقديسين، فالمحيطات اللامتناهية التي يمنحها لعباده لا شيء مقارنة برحمته. ضروري المعرفة التي يحتفظ بها لنفسه.
وانظر إلى هذه النقطة أيضاً: عندما نادى الله تعالى نبيه في ليلة المعراج (ليلة المعراج) وتحدث معه بدون لقد منح محمد ثلاثة أنواع أو مجالات من المعرفة، حيث أمر النبي أن يحتفظ بجزء من هذه المعرفة لنفسه فقط: "لا أحد يستطيع أن يعلم ذلك، إنه سر بيني وبينكم". أما الجزء الثاني فقد سمح للنبي أن يشارك فيه نخبة مختارة (خواص) من الأمة، والجزء الثالث أمر بفتحه للجميع. والقصص التي نقرأها في الكتب عن معراج وهي من القسم الثالث من هذه المعارف، ويعطى المزيد منها للناس حسب مراتبهم، فلشجرة النخيل علم أنها تنتج التمر، ولشجرة البرتقال علم آخر، لأنها تعلمت من ربها أن تنتج البرتقال، وشجر التفاح ينتج التفاح، وشجر الزيتون ينتج الزيتون، وهكذا كل شيء في الكون ينتج حسب مرتبته ومكانته.
لقد علمتم من ربكم علمًا، ولكن الآن في حالنا هذا قد حجبه الله عنكم، فأنتم كالبذرة التي لم تُزرع بعد، يجب أن تزرعوا أنفسكم في عزلة (خلوة). وكما يجب أن تكون البذرة مغطاة بالتراب، فيجب أن تكون أنت مغطى عن هذا العالم، عندها يمكنك أن تعرف نفسك. عندما تكون البذرة في الأرض لمدة عشرة أيام، فإنها سوف تنبت، ولكن بذرتنا لم تُزرع بعد وبالتالي لا يمكننا بعد أن نرى هل نحن أشجار برتقال أم أشجار زيتون. ولهذا السبب نقل النبي عن الله تعالى: "ما لم تعرف نفسك فلن تعرف ربك".
النحل يتعلم كيفية صنع العسل، والثعابين تتعلم كيفية عضك، والبغال تتعلم كيفية ركلك في الرأس.
أحدث التعليقات