قلوب
لقد سمعت كثيرًا من الناس يزعمون امتلاكهم لقلوب نقية. وخاصة أولئك الذين يرفضون الدين والممارسات الصوفية تمامًا ويحبون تقديم مثل هذه الادعاءات. نحن لا نطرح مثل هذه الادعاءات، لكننا نعتقد أن طريقنا هو طريق التطهير، وأن جهودنا يجب أن تضعنا في الاتجاه الصحيح. يجب على أي شخص يظن نفسه شخصًا نقي القلب أن ينتبه إلى هذا الحساب ويعيد النظر في ادعائه في ضوئه.
وقد وصلت هذه القصة إلى عصرنا هذا عن طريق عبد الله بن عمر، الخليفة الثاني للإسلام. فلما سمع عبد الله النبي يثني على ذلك الشخص ثلاث مرات، قرر أن يتبعه إلى بيته ويطلب بركاته ويطلب معرفة الأسباب التي أدت به إلى بلوغ هذه المكانة العالية من الكمال في هذه الحياة.
فلما وصل عبد الله إلى بيت الرجل طرق الباب فرحب به، فقال له الرجل: هل لي أن أسألك عن سبب زيارتك؟ ثم روى له ابن عمر ما قاله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم من الأيام الثلاثة السابقة، فقال الرجل: أعلم. فقال عبد الله بن عمر: يا أخي، إني لأود أن أكون من هؤلاء المحظوظين الذين نالوا مكاناً في الجنة وهم في الدنيا، فماذا فعلت بالضبط حتى نلت هذا الشرف في الحضرة الإلهية؟ وما نوع الزهد الذي مارسته؟ وما أنواع النوافل التي قمت بها؟
"يا عبد الله، أنا لا أعبد أكثر منك أو من غيرك. إن بشراني بهذه البشارة لم يكن نتيجة زهد أو عبادة. ولكن هناك ثلاث صفات اكتسبتها وأعتز بها كما يعتز المرء بالدرر النادرة التي يملكها. أولاً، كل ليلة قبل أن أنام أقول لربي: يا رب، إذا كان أحد من عبادك قد آذاني اليوم بيده أو بلسانه، فقد غفرت له مغفرة كاملة، ولن أشكوه إلى أحد ولا إليك، لا الآن ولا يوم القيامة. وأنت تشهد أني قد غفرت لهم جميعًا: الآن وإلى الأبد، في الدنيا والآخرة".
"يجب أن أسأل كل الناس الذين يزعمون أنهم طاهرو القلب: هل تستطيعون أن تسامحوا بهذه الطريقة؟ أم تركضون إلى المحكمة من أجل ستة بنسات، وتردون على كلمة واحدة مسيئة بالاستحمام؟ عندما يتم صفعك، هل تديرون الخد الآخر، أم تردون عليه بعشر صفعات؟ هل تحملون الضغائن لفترة طويلة من الزمن؟ إذا كنتم تتفاعلون بهذه الطريقة مع الاستفزاز، فيجب أن تعلموا أنكم تزرعون القذارة والمرض، وليس الطهارة. لا تحملوا الضغائن، لأن ثمرتها الكراهية والعداوة. أين طهارتكم إذن؟
ثم قال عبد الله بن عمر: "هـم... تلك صفة يصعب تقليدها. أخبرني بالصفة الثانية، لعلها تكون أيسر في التطلع إليها". قال الرجل: "انظر، لو أعطيت الدنيا كلها وكنوزها، ولو سجد لي الناس، قائلين: "نحن نجعلك ملكنا، ونضع تحت تصرفك خزائن ملكية ضخمة. من فضلك، اجلس الآن على العرش وأمرنا أن نفعل ما تريد، رغبتك هي أمرنا"، لما كنت سعيدًا أو راضيًا على الإطلاق. وما هي العلامة التي تدل على أنني أشعر بهذه الطريقة حقًا؟ هذه هي الصفة الثالثة، وهي تؤكد الثانية، وهي دليل على أنني لا أهتم بالثروة والسلطة. فلو جاء هؤلاء الناس أنفسهم في اليوم التالي، وشتموني وطردوني من العرش، قائلين: "اذهب!" "نحن لا نقبل مثل هذا الملك الأحمق الذي لا يشعر بالسعادة حتى بتتويجه ملكًا ولا يسرّه أن يتمتع بالسيادة على العالم أجمع، ولا يتمتع بثروات وكنوز هائلة، لن أشعر بالأسف على الإطلاق، بل سأشعر براحة كبيرة".
هل هذه الصفات سهلة المنال إلى هذا الحد الذي يجعل كل إنسان يزعم أنه يتمتع بنقاء القلب؟ لو أعطانا أحد منزلاً عادياً ـ ناهيك عن القصور ـ لسعدنا، وبالتأكيد لو جاء في اليوم التالي وطالبنا به مرة أخرى فسوف نندم. فكيف إذا كان العالم كله تحت تصرفنا؟ إن هذا الزهد علامة على أننا قد وصلنا إلى أعلى نقطة في الحقيقة. قال الله تعالى: {الدنيا أهون علي من جناح بعوضة}. لقد أدرك هذا الإنسان هذا اليقين، وأخذ بهذه الحكمة على محمل الجد، وتوقف عن طمعه في الدنيا. سيقول المؤمن الصادق: يا رب بقدر ما تساوي الدنيا في عينيك فليكن في عيني.